سورة المؤمنون - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)}
قوله تعالى: {وَقالَ الْمَلَأُ} 90 أي الاشراف والقادة والرؤساء. {مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ} يريد بالبعث والحساب. {وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} أي وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا وصاروا يؤتون بالترفة، وهى مثل التحفة. {ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إلى الطعام والشراب كأنتم. وزعم الفراء أن معنى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} على حذف من، أي مما تشربون منه، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف البتة، لان {ما} إذا كان مصدرا لم يحتج إلى عائد، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم يحتج إلى إضمار من. {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ} يريد لمغبونون بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم. {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} أي مبعوثون من قبوركم. و{إِنَّ} الأولى في موضع نصب بوقوع {يَعِدُكُمْ} عليها، والثانية بدل منها، هذا مذهب سيبويه. والمعنى: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله {أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}، وهو كقولك: أظن إن خرجت أنك نادم. وذهب الفراء والجرمي وأبو العباس المبرد إلى أن الثانية مكررة للتوكيد، لما طال الكلام كان تكريرها حسنا.
وقال الأخفش: المعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما يحدث إخراجكم، ف {إِنَّ} الثانية في موضع رفع بفعل مضمر، كما تقول: اليوم القتال، فالمعنى اليوم يحدث القتال.
وقال أبو إسحاق: ويجوز {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}، لان معنى {أَيَعِدُكُمْ} أيقول إنكم.


{هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)}
قال ابن عباس: هي كلمة للبعد، كأنهم قالوا بعيد ما توعدون، أي إن هذا لا يكون ما يذكر من البعث.
وقال أبو على: هي بمنزلة الفعل، أي بعد ما توعدون.
وقال ابن الأنباري: وفي {هيهات} عشر لغات: {هيهات لك} بفتح التاء وهى قراءة الجماعة. {وهيهات لك} بخفض التاء، ويروى عن أبى جعفر بن القعقاع {وهيهات لك} بالخفض والتنوين يروى عن عيسى بن عمر. و{هيهات لك} برفع التاء، الثعلبي: وبها قرأ نصر بن عاصم وأبو العالية. و{هيهات لك} بالرفع والتنوين وبها قرأ أبو حيوة الشامي، ذكره الثعلبي أيضا. و{هيهاتا لك} بالنصب والتنوين قال الأحوص:
تذكرت أياما مضين من الصبا *** وهيهات هيهاتا إليك رجوعها
واللغة السابعة: {أيهات أيهات}، وأنشد الفراء:
فأيهات أيهات العقيق ومن به *** وأيهات خل بالعقيق نواصله
قال المهدوي: وقرأ عيسى الهمداني {هَيْهاتَ هَيْهاتَ} بإسكان. قال ابن الأنباري: ومن العرب من يقول: {إيهان} بالنون، ومنهم من يقول: {أيها} بلا نون. وأنشد الفراء:
ومن دوني الأعيان والقنع كله *** وكتمان أيها ما أشت وأبعدا
فهذه عشر لغات. فمن قال: {هَيْهاتَ} بفتح التاء جعله مثل أين وكيف.
وقيل: لأنهما أداتان مركبتان مثل خمسة عشر وبعلبك ورام هرمز، وتقف على الثاني بالهاء، كما تقول: خمس عشرة وسبع عشرة.
وقال الفراء: نصبها كنصب ثمت وربت، ويجوز أن يكون الفتح اتباعا للألف والفتحة التي قبلها. ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء. قال:
وهيهات هيهات إليك رجوعها ***
قال الكسائي: ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء، فيقول هيهاه. ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء. ومن ضمها فعلى مثل منذ وقط وحيث. ومن قرأ: {هيهات} بالتنوين فهو جمع ذهب به إلى التنكير، كأنه قال بعدا بعدا.
وقيل: خفض ونون تشبيها بالأصوات بقولهم: غاق وطاق.
وقال الأخفش: يجوز في {هَيْهاتَ} أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث. ومن قرأ: {هَيْهاتَ} جاز أن يكون أخلصها اسما معربا فيه معنى البعد، ولم يجعله اسما للفعل فيبنيه.
وقيل: شبه التاء بتاء الجمع، كقوله تعالى: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ} [البقرة: 198]. قال الفراء: وكأني أستحب الوقف على التاء، لان من العرب من يخفض التاء على كل حال، فكأنها مثل عرفات وملكوت وما أشبه ذلك. وكان مجاهد وعيسى بن عمر وأبو عمرو بن العلاء والكسائي وابن كثير يقفون عليها {هيهاه} بالهاء. وقد روى عن أبى عمرو أيضا أنه كان يقف على {هيهات} بالتاء، وعليه بقية القراء لأنها حرف. قال ابن الأنباري. من جعلهما حرفا واحدا لا يفرد أحدهما من الأخر، وقف على الثاني بالهاء ولم يقف على الأول، فيقول: هيهات هيهاه، كما يقول خمس عشره، على ما تقدم. ومن نوى إفراد أحدهما من الأخر وقف فيهما جميعا بالهاء والتاء، لان أصل الهاء تاء.


{إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)}
قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} {هِيَ} كناية عن الدنيا، أي ما الحياة إلا ما نحن فيه لا الحياة الآخرة التي تعدنا بعد البعث. {نَمُوتُ وَنَحْيا} يقال: كيف قالوا نموت ونحيا وهم لا يقرون بالبعث؟ ففي هذا أجوبة، منها أن يكون المعنى: نكون مواتا، أي نطفا ثم نحيا في الدنيا.
وقيل: فيه تقديم وتأخير، أي إن هي إلا حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت، كما قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43].
وقيل: {نَمُوتُ} يعني الإباء، {وَنَحْيا} يعني الأولاد. {وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي بعد الموت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8